فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة القصص آية 87]:

{وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87)}.
وقرئ: {يصدنك} من أصدّه بمعنى صدّه، وهي في لغة كلب. وقال:
أناس أصدوا النّاس بالسّيف عنهمو ** صدود السّواقى عن أنوف الحوائم

بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ بعد وقت إنزاله وإذ تضاف إليه أسماء الزمان، كقولك: حينئذ وليلتئذ ويومئذ وما أشبه ذلك. والنهى عن مظاهرة الكافرين ونحو ذلك من باب التهييج الذي سيق ذكره.

.[سورة القصص آية 88]:

{وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)}.
{إِلَّا وَجْهَهُ} إلا إياه والوجه يعبر به عن الذات. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «من قرأ طسم القصص كان له الأجر بعدد من صدق موسى وكذب به، ولم يبق ملك في السماوات والأرض إلا شهد له يوم القيامة أنه كان صادقا أن كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون». اهـ.

.قال ابن جزي:

{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ موسى}.
أي من بني إسرائيل، وكان ابن عم موسى وقيل ابن عمته، وقيل ابن خالته {فبغى عَلَيْهِمْ} أي تكبر وطغى، ومن ذلك كفره بموسى عليه السلام {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكنوز مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالعصبة} المفاتح هي التي يفتح بها، وقيل: هي الخزائن، والأول أظهر، والعصبة جماعة الرجال من العشيرة إلى الأربعين، وتنوء معناه تثقل، يقال ناء به الحمل: إذا أثقله، وقيل: معنى تنوء تنهض بتحامل وتكلف، والوجه على هاذ أن يقال إن العصبة تنوء بالمفاتح، لكنه قلب كما جاء قلب الكلام عن العرب كثيرًا، ولا يحتاج إلى قلب على القول الأول {لاَ تَفْرَحْ} الفرح هنا هو الذي يقود إلى الإعجاب والطغيان، ولذلك قال: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين} وقيل السرور بالدنيا، لأنه لا يفرح بها إلا من غفل عن الآخرة ويدل على هذا قوله: {وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَآ آتَاكُمْ} [الحديد: 23].
{وابتغ فِيمَآ آتَاكَ الله الدار الآخرة} أي اقصد الآخرة بما أعطاك الله من المال، وذلك بفعل الحسنات والصدقات {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا} أي لا تضيع حظك من دنياك وتمتع بها مع عملك إنما هو بما يعمل فيها من الخير، فالكلام على هذا وعظ، وعلى الأول إباحة للتمتع بالدنيا لئلا ينفر عن قبول الموعظة {وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} أي أحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليك بالغنى قال: {إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندي} لما وعظه قومه أجابهم بهذا على وجه الردل عليهم، والروغان عما ألزموه من الموعظة، والمعنى: أن هذا المال إنما أعطاه الله لي بالاستحقاق له بسبب علم عندي استجوبته به، اختلف في هذا العلم فقيل: إنه علم الكيمياء وقيل: التجارب للأمور والمعرفة بالمكاسب، وقيل: حفظه التوراة وهذا بعيد، لأنه كان كافرًا، قيل: المعنى إنما أوتيته على علم من الله وتخصيص خصني به، ثم جعل قوله عندي كما تقول في ظني واعتقادي {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون} هذا ردّ عليه في اغتراره بالدنيا وكثرة جمعه للمال أو جمعه للخدم، والأول أظهر.
{وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} في معناه قولان: أحدهما أنه متصل بما قبله، والضمير في ذنوبهم يعود على القرون المتقدمة، والمجرمون من بعدهم أي: لا يسأل المجرمون عن ذنوب من تقدمهم من الأمم الهالكة؛ لأن كل أحد إنما يسأل عن ذنوبه خاصة، والثاني: أنه إخبار عن حال المجرمين في الآخرة؛ وأنهم لا يسألون عن ذنوبهم؛ لكونهم يدخلون النار من غير حساب، والصحيح أنهم يحاسبون على ذنوبهم ويسألون عنها لقوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92-93] وأن هذا السؤال المنفي السؤال على وجه الاختبار وطلب التعريف، لأنه لا يحتاج إلى سؤالهم على هذا الوجه؛ لكن يسألون على وجه التوبيخ، وحيثما ورد في القرآن إثبات السؤال في الآخرة، فهو على معنى المحاسبة والتوبيخ، وحيثما ورد نفيه فهو على وجه الاستخبار والتعريف، ومنه قوله: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} [الرحمن: 39].
{فَخَرَجَ على قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} في ثياب حمر، وقيل: في عبيده وحاشيته، واللفظ أعم من ذلك {وَيْلَكُمْ} زجر للذين تمنوا مثل حال قارون {وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصابرون} الضمير عائد على الخصال التي دل عليها الكلام المتقدم، وهو الإيمان والعمل الصالح، وقيل: على الكلمة التي قالها الذين أوتوا العلم: أي لا تصدر الكلمة إلا عن الصابرين، والصبر هنا إمساك النفس عن الدنيا وزينتها {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} روي أن قارون لما بغى على بني إسرائيل وآذى موسى دعى موسى عليه السلام عليه، فأوحى إليه أن قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه وفي أتباعه، فقال موسى: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى الركب فاستغاثوا بموسى فقال: يا أرض خذيهم حتى تمّ بهم الخسف {مَكَانَهُ} أي منزلته في المال والعزة {بالأمس} يحتمل أن يريد به اليوم الذي كان قبل ذلك اليوم أو ما تقدم من الزمان القريب {وَيْكَأَنَّ} مذهب سيبويه أن وي حرف تنبيه، ثم ذكرت بعدها كأن، والمعنى على هذا أنهم تنبهوا لخطئهم في قولهم: {ياليت لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ} ثم قالوا: {وَيْكَأَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} أي ما أشبه الحال بهذا، وقال الكوفيون: ويك هو ويلك حذفت منها اللام لكثرة الاستعمال، ثم ذكرت بعدها أن، والمعنى ألم يعلموا أن الله. وقيل: ويكأن كلمة واحدة معناها ألم تعلم.
{عُلُوًّا فِي الأرض} أي تكبرًا وطغيانًا لا رفعة المنزلة، فإن إرادتها جائزة.
{فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن} أي أنزله عليك وأثبته، وقيل المعنى أعطاك القرآن، والمعنى متقارب، وقيل فرض عليك أحكام القرآن، فهي على حذف مضاف {لَرَآدُّكَ إلى مَعَادٍ} المعاد الموضع الذي يعاد إليه، فقيل: يعني مكة، والآية نزلت حين الهجرة، ففيها وعد بالرجوع إلى مكة وفتحها، وقيل: يعني الآخرة فمعناها إعلام بالحشر، وقيل يعني الجنة.
{وَمَا كُنتَ ترجوا أَن يلقى إِلَيْكَ الكتاب} أي ما كنت تطمع أن تنال النبوّة، ولا أن ينزل عليك الكتاب، ولكن الله رحمك بذلك ورحم الناس بنبوّتك، والاستثناء بمعنى لكن فهو منقطع. ويحتمل أن يكون متصلًا. والمعنى ما أنزل عليك الكتاب إلا رحمة من ربك لك ورحمة للناس، ورحمة على هذا مفعول ما أجله أو حال، وعلى الأول منصوب على الاستثناء.
{وادع إلى رَبِّكَ} يحتمل أن يكون من الدعاء بمعنى الرغبة، أو من دعوة الناس إلى الإيمان بالله، فالمفعول محذوف على هذا تقديره: ادع الناس {وَلاَ تَدْعُ} أي لا تعبد {مَعَ الله إلها آخَرَ لاَ إله إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} الآية. أي إلا إياه، والوجه هنا عبارة عن الذات. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {إن قارون كان من قوم موسى} قيل كان ابن عم موسى لأنه قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب وموسى بن عمران بن قاهث.
وقيل: كان عم موسى ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ منه للتوراة ولكنه نافق كما نافق السامري {فبغى عليهم} قيل كان عاملًا لفرعون على بني إسرائيل فظلمهم وبغى عليهم وقيل بغى عليهم بكثرة ماله وقيل زاد في طول ثيابه شرًا.
ق عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثيابه خيلاء» أخرجاه في الصحيحين وقيل بغى عليهم بالكبر والعلو {وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه} جمع مفتح وهو الذي يفتح به الباب وقيل مفاتحه يعني خزائنه {لتنوء بالعصبة أولي القوة} معناه لثقلهم وتميل بهم إذا حملوها لتثقلها.
قيل: العصبة ما بين العشرة إلى الخمسة عشر وقال ابن عباس: ما بين الثلاثة إلى العشرة وقيل إلى الأربعين.
وقيل: إلى السبعين قال ابن عباس: كان يحمل مفاتيحه أربعون رجلًا أقوى ما يكون من الرجال وقيل كان قارون أينما ذهب تحمل معه مفاتيح كنوزه وكانت من حديد فلما كثرت وثقلت عليه جعلها من خشب فثقلت لجعلها من جلود البقر كل مفتاح على قدر الأصبح وكانت تحمل معه إذا ركب على أربعين بغلًا {إذ قال له قومه لا تفرح} يعني لا تبطر ولا تأشر ولا تمرح {إن الله لا يحب الفرحين} يعني الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم قيل إنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن إليها فأما من يعلم أنه سيفارق الدنيا عن قريب لم يفرح ولقد أحسن من قال:
أشد الغم عندي في سرور ** تيقن عنه صاحبه انتقالا

{وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة} يعني اطلب فيما أعطاك الله من الأموال الجنة وهو أن تقوم بشكر الله فيما أنعم عليك وتنفقه في رضا الله {ولا تنس نصيبك من الدنيا} أي لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل فيها للآخرة بالصدقة وصلة الرحم وقيل لا تنسى صحتك وقوتك وشبابك وغناك أن تطلب بها الآخرة.
عن عمر بن ميمون الأزدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسًا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك» هذا حديث مرسل وعمرو بن ميمون لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم {وأحسن كما أحسن الله إليك} أي أحسن بطاعة الله كما أحسن إليك بنعمته وقيل أحسن إلى الناس {ولا تبغ} أي ولا تطلب {الفساد في الأرض} وكل من عصى الله فقد طلب الفساد في الأرض {إن الله لا يحب المفسدين قال} يعني قارون {إنما أوتيته على علم عندي} أي على فضل وخير علمه الله عندي فرآني أهلًا لذلك ففضلني بهذا المال عليكم كما فضلني بغيره.
وقيل هو علم الكيمياء وكان موسى يعلمه فعلم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم وعلم كالب بن يوقنا ثلثه وعلم قارون ثلثه فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه، فكان يصنع من الرصاص فضة ومن النحاس ذهبًا وكان ذلك سبب كثرة أمواله وقيل كان علمه حسن التصرف في التجارات والزراعات وأنواع المكاسب قال الله: {ألم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعًا} أي للأموال {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} قيل معناه أن الله تعالى إذا أراد عقاب المجرمين فلا حاجة به إلى سؤالهم لأنه عالم بحالهم وقيل لا يسألون سؤال استعلام وإنما يسألون سؤال توبيخ وتقريع وقيل لا تسأل الملائكة عنهم لأنهم يعرفونهم بسيماهم.
قوله: {فخرج على قومه في زينته} قيل: خرج هو وقومه وهم سبعون ألفًا عليهم الثياب الحمر والصفر والمعصفرات وقيل خرج على براذين بيض عليها سرج الأرجوان.
وقيل: خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب وعليه الأرجوان ومعه أربعة آلاف فارس وعليهم وعلى دوابهم الأرجوان ومعه ثلاثمائة جارية بيضاء عليهم الحلي والثياب الحمر وهن على البغال الشهب {قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم} أي من المال.
{وقال الذين أوتوا العلم} أي بما وعد الله في الآخرة وقال ابن عباس: يعني الأحبار من بني إسرائيل للذين تمنوا مثل ما أوتي قارون {ويلكم ثواب الله} أي ما عند الله من الثواب والخير {خير لمن آمن} أي صدق بتوحيد الله {وعمل صالحًا} أي ذلك خير مما أوتي قارون في الدنيا {ولا يلقاها إلا الصابرين} أي لا يؤتى الأعمال الصالحة إلا الصابرون وقيل لا يؤتى هذه الكلمة وهي قوله: {ويلكم ثواب الله خير} {إلا الصابرون} أي على طاعة الله وعن زينة الدنيا.
قوله تعالى: {فخسفنا به وبداره الأرض}.
ذكر قصة قارون:
قال أهل العلم بالأخبار والسير: كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون وأقرأهم للتوراة وأجملهم وأغناهم.
وكان حسن الصوت فبغى وطغى وكان أول طغيانه وعصيانه أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن يأمر قومه أن يعلقوا في أرديتهم خيوطًا أربعة في كل طرف خيطًا أخضر كلون السماء يذكرونني به إذا نظروا إلى السماء ويعلمون أني منزل منها كلامي. فقال موسى: يا رب أفلا تأمرهم أن يجعلوا أرديتهم كلها خضرًا فإن بني إسرائيل تستصغر هذه الخيوط فقال له ربه يا موسى إن الصغير من أمري ليس بصغير فإذا لم يطيعوني في الأمر الصغير لم يطيعوني في الأمر الكبير فدعاهم موسى فقال إن الله يأمركم أن تعلقوا في أرديتكم خيوطًا كلون السماء لكي تذكروا ربكم إ ذا رأيتموها ففعل بنو إسرائيل ما أمرهم به موسى واستكبر قارون فلم يطعه وقال: إنما يفعل هذا الأرباب بعبيدهم لكي يتميزوا عن غيرهم فكان هذا بدء عصيانه وبغيه فلما قطع موسى ببني إسرائيل البحر جعلت الحبورة لهارون، وهي رئاسة المذبح فكان بنو إسرائيل يأتون بقربانهم إلى هارون فيضعها على المذبح فنزل نار من السماء فتأكله فوجد قارون من ذلك في نفسه فأتى إلى موسى فقال له موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة ولست في شيء من ذلك، وأنا أقرأ التوراة لا صبر لي على هذا فقال أما أنا ما جعلتها لهارون بل الله جعلها له فقال له قارون: والله لا أصدقك حتى تريني بيانه فجمع موسى رؤساء بني إسرائيل فقال هاتوا عصيكم فحزمها وألقاها في قبته التي يتعبد فيها وجعلوا يحرسون عصيهم حتى أصبحوا فأصبحت عصا هارون قد اهتز لها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز فقال موسى يا قارون ترى هذا فقال له قارون والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر واعتزل قارون موسى بأتباعه وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما وهو يؤذيه كل وقت ولا يزيد إلا عتوًا وتجبرًا ومعاداة لموسى حتى بنى دارًا وجعل لها بابًا من الذهب. وضرب على جدرانها صفائح الذهب وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه.
قال ابن عباس: فلما نزلت الزكاة على موسى أتاه قارون فصالحه على كل ألف دينار عنها دينار وعلى كل ألف درهم عنها درهم وكل ألف شاة عنها شاة وكذلك سائر الأشياء ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده شيئًا كثيرًا فلم تسمح نفسه بذلك فجمع بني إسرائيل وقال لهم إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه وهو يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا: أنت كبيرنا فمرنا بما شئت قال آمركم أن تجيئوا فلانة البغي وتجعلوا عليكم لها جعلًا على أن تقذف موسى بنفسها فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل فرفضوه فدعوها فجعل لها قارون ألف دينار وألف درهم.
وقيل طستًا من ذهب وقيل قال لها قارون أنزلك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غدًا وإذا حضر بنو إسرائيل فلما كان من الغد جمع قارون بني إسرائيل ثم أتى موسى فقال: إن بني إسرائيل ينتظرون خروجك لتأمرهم وتنهاهم فخرج إليهم موسى وهم في مرج من الأرض فقام فيهم فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين ومن زنى وليست له امرأة جلدناه مائة جلدة ومن زنى وله امرأة رجمناه إلى أن يموت فقال قارون وإن كنت أنت؟ قال: وأن كنت أنا قال فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة البغي قال: ادعوها فلما جاءت قال لها موسى: بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة إلا صدقت فتداركها الله بالتوفيق فقالت في نفسها أحدث توبة أفضل من أن أوذي رسول الله فقالت لا والله ولكن قارون جعل لي جعلًا على أن أقذفك بنفسي فخرّ موسى ساجدًا يبكي.